في الوقت الذي تشهد فيه العاصمة والمدن الساحلية اكتظاظاً غير مسبوق، وأزمة سكن خانقة جعلت من امتلاك شقة حلماً بعيد المنال، تتجه الأنظار مجدداً نحو عمق الهضاب العليا. هناك، حيث يلتقي الشمال بالجنوب، يقع مشروع مدينة بوغزول الجديدة، الحلم الذي بدأ في السبعينات وأعيد إحياؤه ليصبح "صمام الأمان" لمستقبل الجزائر العمراني.
1. أين تقع مدينة بوغزول؟ ولماذا هذا الموقع بالتحديد؟
لم يتم اختيار موقع بوغزول عبثاً. تقع المدينة على بعد حوالي 170 كم جنوب الجزائر العاصمة، وتحديداً في المنطقة الحدودية بين ولايتي المدية والجلفة.
تعتبر المدينة "سرة الجزائر" ونقطة تقاطع محورين استراتيجيين:
الطريق السيار شمال-جنوب (Trans-Saharian).
طريق الهضاب العليا (شرق-غرب).
هذا الموقع الاستراتيجي يجعلها منصة لوجستية مثالية وبوابة محورية تربط موانئ الشمال بعمق إفريقيا، مما يسهل حركة البضائع والأشخاص في كل الاتجاهات.
2. أرقام فلكية: مدينة بحجم دولة مصغرة!
حسب المخططات الرسمية والمصادر الحكومية (APS ووزارة السكن)، فإن بوغزول ليست مجرد حي سكني، بل هي مدينة ذكية متكاملة المواصفات:
المساحة الإجمالية: تتربع على مساحة ضخمة تقدر بـ 19,500 هكتار.
القدرة الاستيعابية: مصممة لإسكان 400,000 نسمة (نصف مليون مواطن).
فرص العمل: تستهدف توفير 122,500 منصب شغل دائم بحلول عام 2030، من خلال المناطق الصناعية والخدماتية المرافقة للمشروع.
3. ما تحت الأرض أهم مما فوقها: سر الأنفاق التقنية
ما يميز بوغزول عن أي مدينة جزائرية أخرى هو بنيتها التحتية "غير المرئية" والمتطورة. المدينة مجهزة بـ 28 كيلومتراً من الأنفاق التقنية (Technical Galleries) تحت الأرض.
ما فائدة هذه الأنفاق؟ تمر عبر هذه الخنادق الضخمة كوابل الكهرباء، الألياف البصرية، وأنابيب المياه. هذا يعني أنه مستقبلاً، لن يتم حفر أي طريق للصيانة، مما يجعلها مدينة عصرية "بدون أشغال حفر" تعيق الحركة، وهو معيار المدن الذكية العالمية، وقد بلغت نسبة تقدم أشغال التهيئة فيها مستويات متقدمة جداً.
4. "مدينة الرياح" أم مدينة البحيرات؟ (الرد على الشائعات)
يتساءل الكثيرون: "كيف نسكن في منطقة معروفة بالرياح القوية؟" الإجابة تكمن في الهندسة البيئية الذكية للمشروع:
البحيرة الضخمة: تتوسط المدينة بحيرة سد بوغزول بمساحة 1,200 هكتار، مما يلطف الجو ويخلق مناخاً محلياً رطباً (Micro-climate).
الحزام الأخضر: تم تخصيص 12,000 هكتار للتشجير والمساحات الخضراء، والتي ستعمل كمصدات طبيعية للرياح وتخفض درجات الحرارة، بالإضافة لمنتزه مركزي بمساحة 135 هكتار سيكون بمثابة رئة خضراء للمدينة.
5. سوق العمل في بوغزول: 122 ألف وظيفة تنتظر الشباب
الهاجس الأكبر لأي شخص يفكر في الانتقال إلى مدينة جديدة هو: "أين سأعمل؟". مشروع بوغزول مصمم ليكون "قطباً اقتصادياً" وليس مجرد "مرقد". وتشير الدراسات الاستشرافية للمشروع إلى توفير ما يقارب 122,500 منصب شغل دائم بحلول عام 2030، موزعة على القطاعات الحيوية التالية:
قطاع البناء والأشغال العمومية (المرحلة الحالية): مع استمرار بناء السكنات والمرافق الإدارية، تعتبر المدينة ورشة مفتوحة تطلب آلاف المهندسين المعماريين، التقنيين، واليد العاملة المؤهلة في البناء والري.
الصناعة واللوجستيك (المحرك الرئيسي): بفضل المناطق الصناعية الجديدة التي طرحتها وكالة الاستثمار (AAPI)، ستفتح العشرات من المصانع أبوابها قريباً، خاصة في مجالات الصناعات الإلكترونية، الكهربائية، والصناعات الصيدلانية، بالإضافة إلى تسيير المخازن واللوجستيك نظراً لموقع المدينة المحوري.
الطاقات المتجددة والتكنولوجيا: احتضان المدينة لمراكز بحث ولمقر الوكالة الفضائية يخلق فرصاً للنخبة من المهندسين والباحثين في مجالات الطاقات الشمسية والتكنولوجيا الحيوية.
الخدمات والتجارة: استقبال 400 ألف ساكن يعني حاجة ماسة لآلاف الأطباء، المعلمين، التجار، ومقدمي الخدمات المختلفة.
6. المرافق الاستراتيجية: ماذا يوجد في بوغزول؟
لن تكون المدينة للنوم فقط، بل للعمل والإنتاج والتطور العلمي، حيث تضم مخططات المدينة:
مطار دولي جديد (مخصص للشحن والنقل).
محطة قطار عصرية لنقل المسافرين والبضائع وربط المدينة بشبكة السكك الحديدية الوطنية.
مقر الوكالة الفضائية الجزائرية: مما يعطي المدينة طابعاً علمياً وتكنولوجياً فريداً.
أحياء إدارية وتجارية: لاستقطاب الشركات والبنوك بعيداً عن زحمة العاصمة القديمة.
الأسئلة حول مدينة بوغزول
متى ستكون المدينة جاهزة للسكن؟
البنية التحتية الكبرى (طرقات، أنفاق، شبكات مياه) مكتملة بنسبة كبيرة. المرحلة الحالية هي "الإنجاز العقاري" (بناء العمارات والمرافق)، ومن المتوقع أن تبدأ الحركة الفعلية في آفاق 2025-2030 مع تسريع وتيرة الإنجاز.
هل بوغزول بديل للعاصمة الجزائر؟
هي ليست بديلاً سياسياً، بل "عاصمة توازن". الهدف هو نقل الثقل السكاني والاقتصادي من الساحل المهدد بالزلازل والاكتظاظ إلى مناطق الهضاب المستقرة والواسعة.
هل الاستثمار العقاري في بوغزول مربح؟
بالتأكيد. المناطق التي تسبق العمران تكون أسعار العقار فيها منخفضة في البداية، ثم تتضاعف عشرات المرات بمجرد وصول السكان واكتمال المرافق. بوغزول تمثل "الفرصة الذهبية" القادمة للمستثمرين على المدى المتوسط والبعيد.
هل ننتقل للعيش هناك؟
مشروع بوغزول ليس مجرد خيار، بل هو ضرورة حتمية. في ظل تشبع الشمال، تمثل هذه المدينة الحل الوحيد لضمان سكن لائق، بيئة نظيفة، وفرص عمل للأجيال القادمة. النجاح الآن يتوقف على الإرادة السياسية لاستكمال ما تم بناؤه تحت الأرض، ليرى النور فوق الأرض.
وأنتم، هل تقبلون فكرة الانتقال والعيش في مدينة بوغزول إذا توفرت فيها كل المرافق؟ شاركونا آراءكم في التعليقات.
المصادر:
وكالة الأنباء الجزائرية (APS): تقارير حول تقدم أشغال المدينة الجديدة.
الجريدة الرسمية: مراسيم إنشاء المدينة الجديدة وهيئة تسييرها.
دراسات تقنية: حول البنية التحتية والأنفاق (Galeries Techniques).
تصريحات وزارة السكن والعمران والمدينة: بخصوص آفاق 2030.