كيف سيغير منجم غار جبيلات خارطة الجزائر الاقتصادية للأبد؟

تخيل اخي او اختي القارء لو قلت لك أنك تملك كنزاً مدفوناً في فناء بيتك او حوش منزلك ، لكنك عجزت عن استخراجه لمدة 70 سنة لأنك لا تملك المفتاح! هذه باختصار هي قصة منجم "غار جبيلات" في تندوف.


كيف سيغير منجم غار جبيلات خارطة الجزائر الاقتصادية للأبد


منذ اكتشافه في خمسينيات القرن الماضي، ظل هذا المنجم لغزاً محيراً وحلماً مؤجلاً لكل الحكومات المتعاقبة. ليس لأنه يفتقر للحديد، بل العكس تماماً؛ فهو يحتوي على احتياطي يجعل دولاً عظمى تسيل لعابها، لكن مشكلة تقنية صغيرة (ارتفاع نسبة الفوسفور) وبعد المسافة جعلا منه "العملاق النائم".

اليوم، وفي سنة 2025، تغيرت المعادلة تماماً. الجزائر قررت أخيراً إيقاظ العملاق، ليس بالشعارات، بل بالسكك الحديدية التي تشق الصحراء وبالشراكة مع "التنين الصيني". في هذا التقرير المفصل، سنغوص في عمق الصحراء لنكشف لكم بلغة الأرقام والتحليل: ماذا يعني غار جبيلات لجيب المواطن ولخزينة الدولة؟


للمزيد من المعلومات: غار جبيلات ليس الوحيد.. هناك عملاق آخر نائم في الشرق الجزائري سيقلب الموازين العالمية قريباً. [اكتشف تفاصيل مشروع الفوسفات الذي أرعب المنافسين]



لغة الأرقام لا تكذب: الجدول الذي يرعب المنافسين


قبل أن نتحدث عن السياسة والاقتصاد، دعنا نضع الحقائق على الطاولة. غار جبيلات ليس مجرد "منجم"، بل هو ثاني أكبر خزان للحديد في العالم.

إليك هذا الجدول التفصيلي الذي يلخص حجم الثروة التي نتحدث عنها (المصدر: دراسات وزارة الطاقة والمناجم والبروفيسور عبد الرحمن مبتول):

المؤشر الاقتصاديالقيمة / الرقمالدلالة الاقتصادية
الاحتياطي الجيولوجي3.5 مليار طنيكفي للاستغلال لأكثر من 100 عام.
الاحتياطي القابل للاستغلال1.7 مليار طنكمية هائلة تضعنا خلف أستراليا مباشرة.
نسبة تركيز الحديد58.67%نسبة نقاء عالية جداً تجعل استخراجه مربحاً.
الإنتاج المتوقع (2026)40 - 50 مليون طن/سنوياًسيجعل الجزائر رقماً صعباً في سوق الصلب العالمي.
العائدات المتوقعة10 - 16 مليار دولارتنويع حقيقي لمصادر الدخل خارج المحروقات.
توفير العملة الصعبة2 مليار دولار/سنوياًقيمة ما كنا نستورده من مواد أولية للحديد.
فرص العمل15,000 - 20,000 وظيفةإنعاش حقيقي لمناطق الجنوب الغربي (تندوف وبشار).

التحليل الاقتصادي: لماذا الآن؟ وما الذي تغير؟

قد يتساءل القارئ الذكي: "لماذا انتظرنا كل هذه العقود؟ ولماذا سينجح المشروع الآن بينما فشل سابقاً؟" الإجابة تكمن في نقطتين جوهريتين تشكلان "كلمة السر" لنجاح المشروع هذه المرة:

 فك شفرة "الفوسفور": التكنولوجيا هي الحل

المشكلة التاريخية لحديد غار جبيلات كانت احتوائه على نسبة عالية من الفوسفور (0.8%)، وهو ما يجعله هشاً وغير صالح للصناعة بمقاييس الماضي.

اليوم، وبفضل الشراكة الاستراتيجية مع الشركات الصينية العملاقة (مثل كونسورتيوم CMH)، تم جلب تكنولوجيا متطورة قادرة على "نزع الفوسفور" وتقليله إلى (0.03%)، مما يحول التراب إلى ذهب أسود قابل للتصدير وللاستخدام في مصانعنا المحلية (مثل توسيالي وبلارة).

شريان الحياة: خط السكة الحديدية (بشار - تندوف)

لا فائدة من استخراج الحديد إذا لم تستطع نقله. وهنا تظهر "المعجزة الهندسية" التي تحدث حالياً. مشروع خط السكة الحديدية الضخم الذي يمتد لمسافة تقارب 1000 كلم ليس مجرد وسيلة نقل، بل هو "نهر من الفولاذ" سيضخ الحياة في الصحراء.

هذا القطار سيسمح بنقل ملايين الأطنان من خام الحديد إلى مصانع التحويل في بشار (المجمع الجديد) وإلى موانئ الشمال (أرزيو وجنجن) للتصدير، بتكلفة نقل منخفضة جداً مقارنة بالشاحنات، مما يجعل سعر الحديد الجزائري منافساً شرساً في السوق الدولية.


ماذا سيستفيد "الزوالي" والمواطن البسيط؟

بعيداً عن الأرقام المليارية، ما يهم المواطن هو انعكاس هذا المشروع على حياته اليومية. الأثر سيكون مباشراً وغير مباشر:

  • انخفاض أسعار السكن والبناء: عندما تنتج الجزائر المادة الأولية للحديد محلياً وبوفرة، ستنخفض تكلفة حديد البناء (Rond à béton) بشكل ملحوظ. هذا يعني انخفاض تكلفة بناء السكنات، سواء للمواطن الذي يبني منزله الخاص أو للمرقيين العقاريين، مما قد يؤدي لتهدئة أسعار العقار المشتعلة.

  • وظائف برواتب محترمة: نحن لا نتحدث عن وظائف إدارية بسيطة، بل عن 15 ألف منصب شغل تقني (مهندسين، تقنيين سامين، سائقي آلات ضخمة، عمال سكك حديدية). هذه الوظائف ستخلق طبقة متوسطة جديدة في ولايات تندوف وبشار، وتنعش التجارة والخدمات في تلك المناطق.

  • قوة الدينار: تصدير الحديد والصلب يعني دخول العملة الصعبة (الأورو والدولار) للخزينة بعيداً عن تقلبات النفط. تنويع الصادرات هو الطريق الوحيد لرفع قيمة الدينار وتحسين القدرة الشرائية على المدى الطويل.


الخاتمة: نهاية عهد "الريع البترولي"؟

مشروع غار جبيلات ليس مجرد حفرة لاستخراج المعادن، بل هو رمز لمرحلة جديدة تدخلها الجزائر؛ مرحلة الانتقال من "اقتصاد الأنبوب" (البترول والغاز) إلى "اقتصاد المنجم والمصنع".


سيغير منجم غار جبيلات خارطة الجزائر الاقتصادية


العالم يتغير، والطلب على الحديد والصلب سيزداد لبناء المدن الجديدة والسيارات الكهربائية. الجزائر اليوم تحجز مقعدها في الصف الأمامي. العملاق استيقظ، والقطار انطلق، والسؤال لم يعد "هل سننجح؟" بل "إلى أي مدى سنصل؟".

شاركنا رأيك: هل تعتقد أن الاستثمار في المناجم هو البديل الحقيقي للبترول في الجزائر؟ خلينا تعليقك أسفل المقال تحياتي لكم والسلام عليكم.

google-playkhamsatmostaqltradentX